تحدي بيب - قصة قدومه إلى البايرن, شخصيّته و حجم الضغوطات !
المدرب الناجح جداً بيب غوارديولا إختار بايرن ميونيخ كالتحدي الجديد في مسيرته. لكن وصول غوارديولا يأتي للبايرن بعد أن حقق أفضل موسم في تاريخه. هل سيتحمّل بيب هذه الضغوطات؟
في 26 يوليو, 2011, كارل هاينز رومينيغيه و أولي هونيس كانا يجلسان
بمطعم الـ VIP في الإليانز أرينا عندما دخل رجل أصلع المكان و جلس بأحد
الطاولات. كان وحيداً. عندما تعرّفا عليه, رومينغيه قام, ذهب و ألقى
التحيّة عليه. كان هذا الرجل, بيب غوارديولا. "هل يمكن لي أن أتحدث معك لبعض الوقت؟"
غوارديولا سائلاً. رومينغيه طلب من هونيس الإنضمام, و طلب 3 اسبريسو. بذلك
الوقت, رومينغيه و هونيس (رئيس النادي و رئيس مجلس الإدارة في بايرن
ميونيخ) لم يكونوا على أيّ دراية بما يريده غوارديولا. لكن بالتأكيد, كانا
مهتميّن بالحديث مع المدرب التاريخي لبرشلونه.
غوارديولا سافر إلى ميونيخ مع فريقه برشلونه من أجل المشاركة في بطولة
أودي الوديّة. فريقه كان للتوّ قد تغلّب في نصف النهائي على إنترناسيونال
البرازيلي, و نصف النهائي الآخر بين بايرن ميونيخ و آي سي ميلان في طريقه
للإنطلاق.
يروق لي بايرن ميونيخ, قالها المدرب الإسباني. قام بيب بعمل جولة في
مركز تدريبات النادي في شابنر شتراسه في ذلك الصباح, و الآن في الإليانز
أرينا. " لديكم فلسفة مثيرة " قالها بيب. بعد ذلك, قال شيئاً لم يكن رومينغيه و هونيس يتوقّعانه: " يمكنني تخيّل التدريب هنا يوماً ما ".
" كان كلامه واضحاً " قال رومينيغيه. غوارديولا يُفاتح البايرن - وليس العكس-. عندما يتذكر رومينيغيه الحدث, لا يزال مندهشاً منه. يهز رأسه و يقول: " لا أعلم إن كنت سأملك الجرأة بذلك الوقت لأسأله - هل يمكن لك تخيّل تدريب بايرن ميونيخ؟"
بذلك الوقت, لم يكن غوارديولا مجرّد مدرّب ناجح سيعيّن لأنه حقق الكثير
من الألقاب فقط. غوارديولا كان يُرى على أنّه مجدّد, مدربٌ أعطى لكرة القدم
بُعداً جديداً. برشلونه كان يلعب بكفاءة أكبر, بشكل أسرع و أدقّ و أكثر
جمالاً من أي فريق آخر. برشلونه إكتشف هويةً جديدة عن طريق مدربه الشاب, و
أصبحت طريقة لعب الفريق علامةً مميزة, يمكن حتى لرجلٍ غير مهتم باللعبة أن
يتعرف عليها. كان هناك شيء مختلف في برشلونه, شيء مبهر.
" إنه أفضل فريق واجهناه على الإطلاق "
السير أليكس فيرغسون مدرب مانشستر يونايتد منذ 1986 حتى الموسم الماضي,
واصفاً برشلونه بعد خسارة فريقه نهائي دوري أبطال أوروبا في 2011. السر
يكمّن في الكود الخاص ببرشلونه غوارديولا. بعد ذلك المستوى في نهائي
الأبطال 2011, حتى فيرغسون سيوافق على أن غوارديولا غيّر كرة القدم كما
غيّر ستيف جوبس عالم الكمبيوتر, بوبي فيشر الشطرنج, و فرقة البيتلز موسيقى
البوب.
عندما إنتهى اللقاء و أعطى غوارديولا رقم تلفونه في ورقة إلى رومينيغيه,
تأكد رئيس البايرن أن تكون هذه الورقة في مكان آمن. كان يعلم بأنه أصبح
يملك كنزاً صغيراً.
الآن, مرّ عامان على الإجتماع, و أصبح غوارديولا يملك أكثر العقود التدريبيّة جلباً للإهتمام في تاريخ البوندسليغا.
" عقد جيّد جداً ! "
القصة وراء هذا العقد هي قصّة توافق. إنها قصة بين مجموعة من الرجال إنسجموا مع بعضهم لتملّكهم لنفس الصفات: طموح لا محدود و الرغبة لإثبات ذلك أمام الملأ. البافاري رأى بالفرصة مقياساً لكل شيء على المدى الطويل, ليس فقط بالكرة الألمانية فقط, بل وحتى الكرة الأوروبيّة. غوارديولا يريد أن يثبت أن نجاحه في برشلونه لم يكن مجرّد عارض, وأنّه نجاحه لا يحيد فقط إلى ثلاثة لاعبين إستثنائيين: ميسي, إنيستا و إكزافي.
لماذا إختار بيب البايرن عوضاً عن المليارات العربيّة و الروسيّة؟ بيري
غوارديولا, شقيق بيب, مدير أعماله و أهم من يستشير في قراراته, قال " الحقيقة؟ لقد تفآجئت عندما إتصل عليّ بيب و أخبرني: لقد أعطيت رومينيغيه رقم هاتفي في ميونيخ و أعتقد أنّه سيتصل بي." بيري يشبه شقيقه. قد يبدو أقصر, لكنّه يملك نفس طبقة الصوت الهادئة ويتحدث بنفس اللهجة الكتلونية الموسيقيّة.
بيري غوارديولا يجلس في غرفة المؤتمرات في الطابق الرابع عشر في أحد
المباني الشاهقة شرق برشلونه. يعمل بيري مديراً عاماً لـ Media Base
Sports, وكالة أسست في 2009 متخصصة في لاعبي فريق برشلونه. بيري ساهم في
توفير عدّة صفقات لدافيد فيّا و يدير حساب إنيستا الشخصي على تويتر. بيري
قام بالتفاوض حول عقد بيب مع البايرن, العقد الذي يصفه بالعقد الجيّد جداً.
ثمان أو تسع صفحات, دقيق و يتميّز ب"الألمانيّة".
بعد العودة من ميونيخ, بيب أخبر شقيقه بأن ما أعجبه في بايرن لم يكن فقط
المرافق التدريبيّة و الإليانز أرينا. غوارديولا كان منبهراً من تشكيلة
البايرن المختارة بذكاء, و مع "تعديلين أو 3 طفيفة" تملك إمكانيات هائلة.
لاحظ بيب الهيكل الذي طوّره لويس فان غال: الكرة الهجوميّة, الضغط الشديد و
طريقة لعب تتمحور حول إمتلاك الكرة.
بيري كان على علمٍ بأن شقيقه يقدّر الفرق التقليديّة مثل أياكس,
يوفنتوس, مانشستر يونايتد و بايرن ميونيخ. و بينما يُعرف بايرن بألمانيا
بأنه الفريق الأقوى رياضياً و إقتصادياً, في دول أخرى يُعرف بتاريخه المجيد
في السبعينات.
بيب, يرى كرة القدم بنظرة رومانسيّة. بيري يؤكّد: " التقاليد, التاريخ, أبطال الماضي و مثل هذه الأمور تعني الكثير بالنسبة له."
بيري, الذي كان يعمل في نايك قبل أن يصبح وكيل أعمال, لا يشارك بيب هذا
الإهتمام. لا يرى كرة القدم بشكل رومنسي, حيث قابل العديد من مسؤولي
الأندية الثريّة الصيف الماضي. مسؤولون من ماسيمو موراتي الإنتر, رومان
أبراموفيتش تشلسي, الشيخ منصور بن زايد السيتي, ناصر الخليفي باريس سان
جيرمان و سيليفيو بيرلسكوني ميلان, قابلوا بيري. جميعهم أرادوا بيب. جميعهم
كانوا كالمدمّنين. أرادوا المخدّر الذي يبدو أن بيب هو الوحيد الذي
يمتلكه.
" إتصلت بجيوفاني و طلبت منه بدأ العمل مع بايرن ميونيخ "
يتحدث بيري. جيوفاني برانتشيني أحد أفضل وكلاء الأعمال في إيطاليا و يملك
معرفة قديمة مع هونيس و رومينيغيه. برانتشيني, المعروف بتميزه و مهنيّته,
دبّر عملية إنتقال ستيفان إيفنبيرغ إلى فيورنتينا بمنتصف التسعينات, وجلب
رونالدو إلى برشلونه ثم إلى إنتر ميلان. بيري: " لم نكن نريد أن نظهر و كأننا نعرض أنفسنا على بايرن. بيب كان يريد من بايرن أن يعرفوا أنه مهتمّ بهم." جيوفاني أُعطي مهمّته الجديدة: تنظيم لقاء مع مسؤولي البافاري.
" الأمر يتطلب الشجاعة "
كرة القدم إختلفت كثيراً منذ أن بدأ غوارديولا مسيرته التدريبيّة مع
برشلونه في صيف 2008. كان أحد أقل المدربين أجراً في الدوري الإسباني, بدون
أي خبرة تدريبيّة, يواجه تركةً من فريق يعاني من المشاكل الداخليّة خلّفها
له فرانك ريكارد. الإختلاف له علاقة بسجل غوارديولا المرصّع بالألقاب. في
أربع سنوات, فاز بـ 14 لقب من أصل 19 لقب ممكن, تتضمن 2 دوري أبطال أوروبا,
3 ألقاب دوري و لقبيّ كأس العالم للأنديّة.
لكنّ المشاكل بدأت تتراكم في بداية 2011. المدافع الفرنسي إيريك أبيدال
وصديق ومساعد غوارديولا, تيتو فيلانوفا تعرّضا للسرطان. الفريق بدأ يفقد
بعضاً من طاقته. خطابات غوارديولا بعض المرّات بدأت تفقد الإقناع, و تحفيز
لاعبيه لم يعد كالسابق. غوارديولا يتميّز بقدرته على التواصل. يمكن له أن
يكون, بارعاً, عفوياً و حتى ظريفاً.
بنفس الوقت, العدو اللدود ريال مدريد كان يحضّر الفريق الأغلى بالعالم, و
هدفه الأوّل هو هزيمة برشلونه غوارديولا. النزاعات مع خوزيه مورينهو, مدرب
ريال مدريد بدأت تظهر وتكبر. في مباريات الكلاسيكو هناك عراك بين مدرب
ولاعبي الفريقين.
حتى ميسي كان له دوره في مشاكل غوارديولا. الإسباني أصبح يعتمد بشكل
أكبر فأكبر على اللاعب الأرجنتيني. ميسي سجل 73 هدفاً في موسم 2011/2012, و
غوارديولا صمّم طريقة لعبه حول لاعب واحد. سبّب له هذا المشاكل بشكل
متزايد و أصبح لا يتمتّع بالعمل كالسابق.
في خريف 2011, و بعد مباراة في دوري أبطال أوروبا أمام باتي بوريسوف
البيلاروسي, غوارديولا أخبر رئيس برشلونه, ساندرو روسيل, بأنه قد لا يجدد
عقده مع البرسا. إدارة الفريق الكاتلوني أصبحت في حالة إرتباك.
في أحد المقابلات النادرة معه - حول فيلم عن ناديه السابق بريشيا - ذكر بيب :"تدريب فريق مهم لأربع سنوات يتطلّب الشجاعة. اللاعبين يتعبوك, أنت تتعب اللاعبين, الصحافة تتعبك, وأنت تتعب الصحافة."
" رجل محافظ "
في 13 يناير 2012, في أحد مباني ميونيخ كان هناك حفلة متأخرة إحتفالاً
بعيد ميلاد أولي هونيس الستين. جيوفاني برانتشيني, وكيل الأعمال الإيطالي و
-الوسيط- كان ضيفاً بين 475 ضيف. جلس بجوار رومينيغيه و أخبره, بما طلب
منه شقيق غوارديولا أن ينقل له, أن ما قاله بيب أثناء كأس أودي الوديّة لا
يزال حقيقياً.
بعد ذلك, رومينيغيه بدأ يتواصل بشكل مستمر مع غوارديولا. جالساً في مكتبه, يتذكر رومينيغيه المحادثات بينهم و يصفها بالغريبة: "كانت مبتذلة, محادثات بلا معنى. تستمر بالحديث لكن لا تصل أبداً إلى النقطة المطلوبة."
لمحات المدرب في غوارديولا كانت تظهر منذ كان في الـ 18 من العمر. كان
أقل جسدياً من معظم منافسيه, بطيء جداً و نحيل جداً. لكن كان هناك شيء واحد
يفعله أسرع من منافسيه: التفكير. فرصته الوحيدة هي بقراءة المباراة أفضل
من الآخرين. يوهان كرويف, مدربه في برشلونه, عيّنه قائداً بعد فترة قصيرة.
غوارديولا كان الرأس بالفريق الإسطوري "فريق الأحلام" الذي حقق لبرشلونه
لقب دوري الأبطال الأوّل. لعب بجوار روماريو, مايكل لاودروب, رونالد كويمان
و زوبيزاريتا. حتى قبل تعيين غوارديولا كمدرّب, ذلك الفريق كان يعتبر
الأفضل بتاريخ برشلونه. غوارديولا كان لا يزال مع برشلونه عندما عيّن فان
غال مدرّباً, لكنه إنتقل إلى روما لأنه أراد العمل تحت يد فابيو كابيلو. في
نهاية مشواره كلاعب, إنتقل بشكل غريب إلى فريق مغمور بالمكسيك يدعى
دورادوس دي سينالو, لأن المدرب خوانما ليلو كان يدرّب هناك. غوارديولا كان
يعتبره من المدربين العبقريين.
" شقيقي يمكن له أن يكون عنيداً بشكل لا
يصدّق, مهووساً, ويفكر دائماً بكرة القدم منذ أن عرفته. كان واضحاً دائماً
أنه سيكون مدرّباً. خارج كرة القدم, يحب السلام والهدوء." بيري في
مكتبه, يصف بيب بالمتحفّظ, مستمعٌ أكثر منه متحّدث, و حازماً في أن تبقى
حياته الخاصّة, خاصّة. مرةً عندما سئل بيب عن أيّ كلمة يصف بها الشهرة,
أجاب :"**Sh".
لا يزال بيب مع كريستينا سيرا, حبيبته منذ أيام المراهقة, عندما إلتقى
بها وهو بعمر الـ18. لديه ثلاثة أبناء, يرتدي ملابس بسيطة, يستمع إلى
كولدبلاي, سياسياً يساريّ, ومثل معظم أعضاء عائلته يريد إستقلال كاتلونيا.
لا يؤمن بالإله, ما عدى في حالتيّ ميسي و مارادونا, وإن لم يكن لاعباً
محترفاً, كان ممكناً أن يكمل شهادته في القانون ويصبح محامياً اليوم.
في أبريل 2012, أعلن غوارديولا أنه سيرحل من برشلونه. ذكر أنه مُتعَب
ويحتاج للإبتعاد عن الضوء. بعد ذلك, بيري أصبح يتلقى إتصالات يومية من
وكلاء أعمال لأندية كبرى أخرى, لكن النادي الوحيد الذي أراد بيب أن يناقش
مع شقيقه حوله هو بايرن ميونيخ. بيري إلتقى بكريستيان نيرلينغر,المدير
الرياضي السابق لبايرن, في إجتماع في فندق في مدريد يوم 25 مايو. لم يترك
الإجتماع إنطباعاً جيداً له.
بيري غوارديولا كان أكثر إهتماماً بالبريميرليغ وحاول إقناع شقيقه
بالمزايا المحترمة في إنجلترا. بيري ذكر بأن الإنجليز يتميّزون بعدد أقل و
أكفأ من صناع القرار, و صحافة -مع أنها أعلى صوتاً من الألمانية- إلا أنها
أسهل بالتعامل. بالإضافة إلى ذلك, لديهم المال -- مال أكثرَ بكثير.
عرض من مانشستر سيتي كان جذاباً جداً. تيكي بيغريستن, المدير الرياضي
السابق لغوارديولا في برشلونه, كان يمثّل مانشستر سيتي. كان يعلم أن المال
ليس المفتاح للتعاقد مع غوارديولا - أو على الأقل ليس العامل الوحيد -.
ناقشوا حول "مشروع" و نيّة النادي لصرف 150 مليون يورو, أو حتى أكثر
للتعاقد مع لاعبين جدد.
لكنّ بيب لا يزال مصمماً على بايرن ميونيخ. مع عمل برانتشيني كوسيط,
أخبر رومينيغيه, أنه بعد سنة توقف في نيويورك, يريد بيب العودة مجدداً
للتدريب و أن محادثة بين الطرفين لن تضر. رومينيغيه كان يريد التأكد من أن
السفر إلى الولايات المتحدة و مقابلة بيب ستأتي بجدوى. بالنسبة لبرانتشيني,
نعم .. ستأتي بجدوى.
في يوليو 2012, رومينيغيه سافر إلى برشلونه, بيري غوارديولا إستقبله في
المطار و ذهبا إلى منزل خارج المدينة لأحد الأصدقاء قضوا فيه ما يقارب الست
ساعات. بيب غوارديولا يحاول شرح فلسفته عن كرة القدم لرومينيغيه, و
رومينيغيه يحاول أن يفسّر بايرن ميونيخ.
رئيس البايرن ذكر أن نصف تدريبات الفريق تقام بحضور الجماهير, وهو شيء
غير متعارف عليه في دول أخرى. كان شيئاً يجب على غوارديولا أن يوافق عليه.
في المقابل, بيب ذكر أنّه لا يقدّم أي مقابلات صحفية, فقط يلتزم بالمؤتمرات
الصحفية, وهي الطريقة الَتي فعلها مع برشلونه. رومينيغيه أجاب بأنه لا
يلزم أي شخص بالمقابلات الفرديّة, وبعد ذلك سأل رومينيغيه غوارديولا إن كان
يريد جلب طاقم عمل كامل معه, يتضمن مساعدين ومختصّين, كما فعل فان غال.
لا, ردّ غوارديولا, يريد فقط 3 من إختياره و البقيّة لا يهم. " إن كان لديكم أشخاص متميّزون, سأعمل معهم" أجاب بيب.
في بداية نوفمبر, تلقّى رومينيغيه إتصالاً من نيويورك. "أريد الذهاب إلى بايرن ميونيخ" هذا كان ردّ بيب في نهاية الحديث.
فوراً, غوارديولا عيّن مدرساً للغة الألمانية في نيويورك, الذي كان عليه أن يوقّع على إتفاق بأن لا يتحدث للصحافة. " قام بذلك كما يفعل بكل الأمور: بكلّ هوس. أربع ساعات يومياً, كالمهووس." بيري يذكر. بعد عدّة أشهر قليلة, غوارديولا قضى ستة أيام في برشلونه في عيد الفصح. عيّن بيب مدرساً يذهب معه بشكل دائم. بيري :" كان شيئاً غريباً. تجتمع مع أخيك في الغداء, وهو لا يكفّ عن الحديث بالألمانية مع مدرسه".
ما كان ينقص البايرن, وحتى اللحظات الأخيرة, قرار بالإجماع لصالح تعيين
غوارديولا. كان يتطلّب ذلك الإنفصال عن مدرب الفريق الناجح وقتها, يوب
هينكس.
بعد وقت قريب من إتصال بيب, هونيس, رومينيغيه, ماتياس زامر المدير
الرياضي و كارل هوبفنر المدير المالي إجتمعوا من أجل تحديد قرار مصيري. كان
هناك حديث طويل ومفصّل إنتهى بقرار بالإجماع لصالح تعيين غوارديولا. رأوا
في المدرب الإسباني فرصة فريدة للنادي: المدرب الأكثر طلباً في العالم, و
شخصاً سيمكّنهم من إكمال تغيير الجيل المنتظر. هاينكس كان بالـ67 بذلك
الوقت, غوارديولا في الـ 41.
طوال السنوات الماضية, بايرن ميونيخ كان يعاني من عقدة النقص, على الأقل
على المستوى الأوروبي. بالرغم من كون بايرن ميونيخ, ضمن الفرق الكبيرة إلا
أنهم لم يكونوا أبداً قادرين على الإبهار و مجاراة مستوى الإعجاب كما في
أندية برشلونه, مانشستر يونايتد و ريال مدريد. كانوا مستائين من حقيقة
أنهم, رغم كونهم أحد أفضل الفرق إقتصادياً و تنظيماً في أوروبا, لم يكونوا
الأكثر نجاحاً و جذباً. لم يكونوا محطاً للأنظار. قدوم غوارديولا, كان هدفه
تغيير ذلك.
المشكلة الوحيدة أنّه لا أحد من إدارة بايرن ميونيخ تحدّث مع مدرب
الفريق يوب هاينكس بذلك الوقت. هينكس لم يكن على علمٍ أبداً بالمحادثات مع
غوارديولا, وبالتأكيد أن إتفاقاً تم حول تعيينه. رسمياً, النادي كان
لأسابيع يتحدث عن نيته للنقاش مع هينكس حول مستقبله.
الهدف من عدم الإفشاء لهاينكس, أنه لو قرر غوارديولا تغيير رأيه, هاينكس
سيكون جاهزاً كخطّة بديلة. بالإضافة إلى ذلك, هناك مباريات مهمّة في نهاية
العام, ضد دورتموند و فالنسيا, و التأهل لدور الـ16 في دوري الأبطال لم
يحسم بعد. مسؤولوا بايرن ناقشوا حول جهلهم كيفيّة تعامل هاينكس مع الموقف
المخيّب لو عرف عن القرار. هل نخبر المدرب الآن بأن الأمور لن تستمر؟ تساؤل
بين مسؤولي النادي. ماذا سنفعل إذا غضب من ذلك؟ إختاروا القرار الأقل
خطورة و الأقل صراحة.
" محادثة عاطفية "
هونيس خطّط للسفر إلى نيويورك قبل إسبوع من أعياد الميلاد لمقابلة
غوارديولا و توقيعه للعقد. المدير المالي كارل هوبفنر عَمل على كل التفاصيل
و سلّم هونيس "العقد الدقيق, والألماني" حسب وصف بيري غوارديولا. هونيس
سيسافر إلى نيويورك في 18 ديسمبر, يوم الثلاثاء. قبل فترة من سفره, زوجته,
سوسان قالت له :" أولي, عليك الحديث مع يوب قبل الرحيل. إنه إلتزام كصديق لك."
إلتقى الرجلان يوم الأحد قبل موعد سفر هونيس, في جلسة إعتراف يقدّمها
هونيس. كان عليه أن يخبر عن خطة غوارديولا, ولو ببساطة, إلى صديقه هاينكس
الذي يعيش في أحد شقق هونيس في ميونيخ في العام ونصف الماضية. هونيس وصف
اللقاء فيما بعد بأحد أصعب المحادثات في مسيرته.
بعد ذلك, هونيس و إبنه فلوريان الذي يدير مصنع النقانق الذي يملكه
هونيس, سافرا إلى شيكاغو للإجتماع. من هناك, هونيس سافر إلى نيويورك.
إجتماعه مع غوارديولا كان يجب أن يبقى سرياً. بيب أركَب هونيس في سيارته
المظللة من فندق الفورسيزون في نيويورك. معاً, ومع حارسين شخصيين و شقيق
غوارديولا, إتجها إلى مانهاتن وأخيراً إلى مواقف سيارات تحت الأرض. شقة
غوارديولا المملوكة ل دويتشه بانك كانت في 320 Central Park West. كان بها
مصعد خاص و 4 غرف نوم. الأجار كان ب 31 ألف دولار للشهر.
هونيس أمضى 4 ساعات هناك. زوجة غوارديولا, كريستينا, طبخت العشاء, وبعد
الوجبة, المدرب قدّم للرئيس طرق اللعب والتشكيلات لبايرن ميونيخ للموسم
القادم على شاشة جهازه المحمول. أخبر بيب هونيس أنّه شاهد جميع مباريات
بايرن ميونيخ من على شاشة التلفزيون هنا في نيويورك, بالإضافة لمباريات
مانشستر سيتي و تشلسي, وقال أنه مقتنع بأن بايرن ميونيخ الفريق الأكثر
تشابهاً لبرشلونه. بذلك الوقت, ديسمبر 2012, رأى هونيس في هذا الكلام
وعداً.
طريقة لعب غوارديولا كان يُرى بأنها الأفضل, وهو على أنه لا يُقهر. كود
برشلونه لم يتصدّع إلا في ربيع هذه السنة, في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا,
من قِبل المدرّب الذي كان هونيس حكم على نهاية عهده في نيويورك.
في يناير 2013, وبينما الإعلام كان يخمّن عن التعاقد مع غوارديولا,
رومينيغيه لم يتحمّل تأخير المحادثة المزعجة أكثر. عليه إخبار هاينكس أن
هذا آخر موسم له مع الفريق, رغم أن الأخير كان يأمل بالبقاء لسنة إضافية.
كانت محادثة عاطفية. هاينكس كان منزعجاً. لمَ لم يتحدث سامر و رومينيغيه
معه عن غوارديولا؟ لمَ لم يشركوه بشكل أكبر, ولمَ لم يكن له رأي في
الموضوع؟
بالنهاية, خرج الموضوع للصحافة كما كان يراد أن يخرج به. رومينيغيه قدّم
خيارين. إمّا أن يقول هاينكس أنه قرر الرحيل بنهاية الموسم وأن النادي
وافق على طلبه, أوّ أن النادي تعاقد مع غوارديولا وعقد هاينكس لم يجدد.
هاينكس إختار الخيار الأوّل.
بعد نهاية الإجتماع, خرج رومينيغيه و وصل إلى مكتب هونيس. "كارل هاينز, هل إنتهيت؟" سأل هونيس. " أنا منهك"
أجاب رومينيغيه. لم يكن يدر بخلده, أن هاينكس, الرجل الذي كان للتوّ قد
أقاله, سيحقق لبايرن ميونيخ في الأسابيع القادمة أفضل موسم في تاريخ
النادي.
" تحديِ كبير "
إستياء هاينكس من الطريقة الّتي عومل بها أظهر له حافزاً ليثبت من أي
نوعٌ هو. عمل بجهد أكبر وبتركيز أكبر من السابق, حتى إلى درجة الإرهاق
البدني. كان يعلم أنه يملك نصف عام متبقيّ, و إستغل ذلك تماماً. بايرن حطم
كل الأرقام وحقق الثلاثية بعد الفوز بالبوندسليغا, دوري أبطال أوروبا و كأس
ألمانيا. و الآن, يرحل هاينكس من الباب الكبير.
"أرحل وخلفي فريق عالميّ, ربما الفريق الأفضل بالعالم."
هاينكس في مؤتمر وداعه. لم يكن لأحد أن يختلف. بايرن ميونيخ كسب كل
الإحترام بالأسابيع الأخيرة. وصل للبُعد الذي كان دائماً يحلم به, البُعد
الذي كان من المفترض أن يقوم به بيب غوارديولا. إلى وقت قريب, نجاحات
غوارديولا كانت تشكل الضغط على هاينكس, الآن الأمور بالعكس تماماً. كيف
يُمكن لغوارديولا أن يحقق أفضل من الثلاثيّة؟ بيري يجيب " رجل درّب في برشلونه, يعرف ما معنى الضغوطات" و يؤكد أن شقيقه كان دائماً ولا يزال يريد الفوز.
السؤال ليس إذا ما كانت الثلاثية ستجعل غوارديولا قلقاً. السؤال هو كيف
يمكن لرجل بنى أحد أفضل الفرق في العقود الأخيرة أن يواجه توقعات إعادة ذلك
مع فريق آخر. هل سيمكن لغوارديولا أن يقدّم عصراً لبايرن ميونيخ, بنفس ما
فعل مع برشلونه, أم أنّ المشككين على حق بقولهم بأنه مع ميسي, إنيستا,
إكسافي في تشكيلة فريقك, يمكن لأيّ مدرب تحقيق دوري أبطال أوروبا؟
فرانك ريكارد, سلف غوارديولا في برشلونه, فاز بدوري الأبطال في 2006 مع
برشلونه لكنّه أقيل بعدها. مسيرته التدريبيّة في تخبط بعد ذلك. بآخر محطّة
له أقيل من تدريب المنتخب السعودي بعد سلسلة من الهزائم. إنه السؤال الذي
يجب على غوارديولا الإجابة عليه, وهي المخاطرة الّتي يقوم بها: هل يمكن له
تخطَى المطلوب؟
شخصيّة الرجل تظهر عند هزيمته. لكن لأنّ غوارديولا لم يفشل أبداً حتى
الآن, لا يمكن لأي أحد معرفة شخصيّته الحقيقيّة. غوارديولا قد يخسر في
ميونيخ: ضد نفسه.
-- ترجمة لمقال من مجلة "دير شبيغل الألمانية".
0 تعليقات